عبد الحميد دشو؛ بالمحبة والوعي يسمو المجتمع وترتقي الأمم
عبد الحميد دشو؛ بالمحبة والوعي يسمو
المجتمع وترتقي الأمم
منبج-شاعر وقاص من الزّمن الجميل، تخضع
المفردات لأحاسيسه الجيّاشة، فتنتظم أجمل قصائده وأقاصيصه وأكثرها شاعريّة وواقعية،
معجم مفردات ثريّ قائم بذاته، تتناثر الكلمات منه كورود شاردة من حطام الحياة، تلامس
عباراته شغاف القلب، فتبكي العيون، وتنزف القلوب.
هو ابن منبج، مدينة الشّعراء من جيل
المخضرمين يعيش للكتابة حالة عشق دائمة، يتيه في خلجاتها جذلاً ويترنم في حسنها
مشدوهاً ليصبح الخيال عصير نثره وشعره ومكنون نفسه. كل لحظة يعيشها، نعيشها معه في قصيدة أو
قصة تخترق وجداننا، وتلامس أرواحنا. وبهذا الصدد، أجرت صحيفتنا" روناهي"
حواراً مع الشاعر والقاص عبد الحميد دشو ليحدثنا عن تجربته في الشعر والقصة
ونتاجاته الأدبية وأبرز مواقفه من الشعر والقصة والكتابة.
- في البداية، نرحب بك، في صحيفتنا
"روناهي"، وهل بالإمكان أن تعرّف القراء على الشاعر عبد الحميد دشو
وبداياته مع الشعر، ولم كان اختيارك له؟
في البداية أهلاً وسهلاً بكم ، وشكراً
لهذه الفرصة الطيبة في اللقاء معكم ، أقول وبكلّ تواضع أنني ابن مدينة منبج رغم أن
ولادتي كانت في قرية كل آبار على ضفاف الفرات ، ولكنني عشت في منبج منذ الطفولة
ودخول المدرسة ولازلت ، وتخرّجت في معهد دار المعلمين حاملاً إجازة أهلية التعليم
الأساسي عام 1999، وعملت في المجال التربوي معلماً ومديراً في عدد من مدارس الريف
والمدينة ... ودخلت ميدان الأدب منذ التسعينات ، وكنت أشارك في كلّ الفعاليات
الأدبية بصحبة أديب منبج الراحل محمد منلا غزيل الذي كان يشجعني باستمرار على
المشاركة والكتابة والمطالعة التي كانت تستهويني منذ المرحلة الإعدادية ، فكنت
أتردد بشكل مستمر على المركز الثقافي في منبج لمطالعة الكتب ، وأنشر قصائدي في
المجلات والجرائد المحلية ، وأذكر أن أول قصيدة نشرت لي كانت عام 1996م، في مجلة
"إعلام الشباب"، ولازلت أحتفظ بذلك العدد ، ثم توالت مؤلفاتي في ميادين
القصة والتاريخ إضافة إلى الشعر .
- كيف تقيم الفعاليات الثقافية ولاسيما
في عهد الإدارة المدنية، وهل لك قصائد في ظل هذه التجربة؟
تشهد الفعاليات الثقافية حالة من
النهوض والازدهار خلال السنوات القليلة الماضية، وهذه الحالة لمسناها من خلال
الفعاليات التي تقيمها وتشجعها الإدارة المدنية، سواء في نشر الكتب أو إقامة
المعارض الثقافية أو الأمسيات الأدبية أو المسابقات التشجيعية وإصدار المجلات
الأدبية والثقافية وغيرها، ونأمل أن تستمر هذه الحالة وتتطور لتعمّ الفائدة
المرجوة في تشكيل الوعي الثقافي والمجتمعي في بلادنا. وقد شاركتُ في معظم
الفعاليات الأدبية في مدينة منبج وخاصة في مجالي الشعر والقصة سواء قبل الأحداث أو
في ظل الإدارة المدنية.
- كيف ترى مستقبل الشعر النسائي في
منبج، وما الذي يمنع من ظهور شاعرات قديرات، وما الذي تحتاج حتى تبرز شعرياً؟
هناك محاولات لاتزال خجولة بالنسبة
لمشاركة المرأة في الحياة الأدبية، وثمّة أسباب عديدة تعيق ظهور شاعرات وأديبات في
منبج منها – في رأيي- العوامل الاجتماعية والتراكمات المتوارثة التي تحدّ من نشاط
المرأة في هذا الجانب، إضافة إلى انشغال المرأة في تدبير أمور المنزل أو العمل
خارجه لإعالة أسرتها كرديف للزوج في ظل الظروف الصعبة التي عانى منها المجتمع خلال
السنوات العجاف التي مرّت عليه ، وهناك أمور تتعلق بالمرأة ذاتها بالنسبة
للموهوبات ، كعدم الثقة بنفسها وميلها للانطواء ، وسطوة المجتمع الذكوري الذي
يحاول التقليل من شأنها أحياناً وعدم تشجيعها .
- ما الذي يلفت اهتمام عبد الحميد دشو
بالشعر أو القصة دون غيرها، وبمن تأثر من الشّعراء؟
أعتبر القصة أولاً والشعر ثانياً هما
أفضل وسيلة للتعبير عن هموم الناس ومكنونات النفس البشرية كونهما وسيلة فعالة
تؤثران في النفوس ، وطريقة نشرهما سهلة أيضاً ، ولاشك أن الأدب بمجمله هو رسالة
يحملها ويوجهها الأديب بما يحمله من فكر سامٍ تجاه مجتمعه من أجل النهوض به ،
والقضاء على كل عوامل الضعف والتخلف التي تعتريه ، ووسيلة تنمية وتعزيز للعادات
الإيجابية لدى العديد من الناس ، والتدريب على مهارة التواصل مع الآخرين وفهم
مشاعرهم ، فالأدب بشعره وقصته ومسرحيته ونقده ومقالته هو غذاء الروح وموجه العقول
نحو السمو والرفعة . وقد تأثرت بشكل خاص بالأديب الراحل جبرا إبراهيم جبرا،
وعموماً ليس لقراءاتي اتجاه واحدة أو لون معين، بل أقرأ بشكل دائم لشتى التيارات الفكرية
والأدبية على اختلاف أجناسها.
- ما هي المواضيع التي تستهوي عبد
الحميد دشو، وأي شكل من أشكال الشعر قريب منك؟
أركّز بشكل مباشر على المواضيع الاجتماعية والقضايا التي تهمّ حياة الناس ، بطريقة أدبية واعية وموجهة بشكل غير مباشر ، من خلال الشعر أو القصة ، حيث نسلط الضوء على تلك المواضيع ، ونعرّي بعض الأمراض الاجتماعية ، ونحاول لفت الانتباه إلى نتائجها وضرورة مواجهتها كزواج القاصرات والعنف ضدّ الأطفال وغيرها ، والأديب هو قدوة المجتمع فيجب أن يكون نموذجاً حياً يسبق قوله عمله في هذه الميادين ، أما بالنسبة لأشكال الشعر ، فالنفس تميل أحياناً إلى الشعر الذاتي الذي أعبّر فيه عن مشاعري في حالات وجدانية خاصة تجاه بعض المواقف التي تمرّ في طريقنا ، وهذا النوع من الشعر له وقع خاص في نفسي.
- ما هي الكتب التي ألفها ونشرها عبد
الحميد دشو خلال مسيرته الأدبية سواء ورقياً أو الكترونياً؟
أول كتاب ألفته اسمه "القارة
السمراء ..التطور التاريخي والتنوع الجغرافي عام 2008م، وهو كتاب في التاريخ لدول
قارة إفريقيا ، ثمّ صدرت لي مجموعة قصصية بعنوان "وأزهر الحب" عام
2011م، ونالت رضا الكثير من القرّاء لتنوّع مواضيعها ، ثم توجهت إلى النشر الالكتروني
، وأصدرت كتاب تاريخي آخر بعنوان "القارة الأمريكية ..التطور التاريخي
والتنوع الجغرافي" والغرض من هذين الكتابين التاريخيين (القارة السمراء
والقارة الأمريكية) هو الاستفادة من تجارب الشعوب الأخرى في مراحل تطورها بشتى
الميادين ، ونشرت أيضاً كتاب "معجم الأدباء العرب في الرواية والشعر
والأدب" ومعجم كبار القراء في مصر"، وعندي ديوان شعر مخطوط بعنوان
"للبوح أبجدية أخرى"، وفيه صفوة القصائد التي نظمتها على مدى السنين
الماضية ، وهناك الكثير من الأشعار قد ضاعت بسبب الظروف التي مرّت .
- ماذا يخطط عبد الحميد دشو في
المستقبل القريب فيما يخص الجانب الأدبي من نشر وأعمال؟
لدي الكثير من المشاريع الأدبية منها
مجموعة قصصية جديدة أحضّرها باسم "أصداء حبّ يحتضر" مستوحاة من قضايا
الواقع الاجتماعي، وعندي أيضاً مشروع رواية في القريب العاجل، وهذا النوع من الأدب
أحبذه بشكل خاص علاوة على نظم الشعر في المناسبات، أما على صعيد التاريخ والتوثيق
فأعكف على مشروع كتاب "العشائر السورية في الجزيرة والشامية" وهو دراسة
شاملة حول تشكل البنى العشائرية وأصولها وتاريخها وأبرز رموزها الوطنية والعشائرية
وأماكن تواجدها.
- كيف ترى مستقبل الشعر والقصة في منبج
خاصة مع الجيل القادم؟
لاشكّ أنّ لكلّ زمان أدباءه وظروفه الخاصة، ومنبج مدينة ولادة منذ فجر التاريخ، وهذا يعني أن مسيرة الأدب بشكل عام مستمرة، وربما تظهر أجيال جديدة تُغني هذه المسيرة بعطائها، وهناك مواهب شابة في طور النمو يجب تشجيعها حتى تأخذ مكانها المناسب.
بالطبع، التجديد هو سمة الحياة، والأدب
هو جزء مهم من هذه الحياة، والتجديد في اللغة الشعرية هو ضرورة لاستبدال المصطلحات
اللغوية القديمة بمفاهيم ومصطلحات تكون أقرب للناس وللواقع الذي يعيشونه، وتناسب
الظروف المختلفة التي يمرّ بها المجتمع من خلال توظيف مجموعة من الأدوات التي
تساعد على صياغة النص الشعري بشكل صحيح، وانتقاء المفردات والقوالب المألوفة والتي
تؤدي إلى توضيح معنى القصيدة. أما بالنسبة لموقف شعراء منبج من التجديد اللغوي في
بنية القصيدة، فلا نستطيع أن نضع كلّ الشعراء في سلة واحدة، فلكلّ شاعر تجربته
الخاصة، فهناك من يميل إلى التجديد في اللغة والمضمون، وثمّة من يميل إلى الشكل
الكلاسيكي القديم، وهناك من يجمع بين الاثنين، وهذا نادر، وأستطيع القول إنني أميل
للصنفين.
- ماهي مقاييس القصيدة الناجحة، ومن
برأيك الحكم الحقيقي لنجاح القصيدة أو القصة؟
هناك مقاييس عديدة للقصيدة الناجحة
ولعلّ من أبرزها أن تعبّر عن الهموم الاجتماعية وتلامس وجدان المتلقي بلغة سليمة
ورفيعة ، ومستوى عالٍ من الإحساس والإبداع الفني الذي يثير الإدهاش ، وأن تكون
غنية بالمفردات والتعابير المناسبة والصور المعبّرة إضافة إلى الموسيقا والتنوع في
الرؤى الفنية ، وفيها تجديد مستمرّ من قبل الشاعر لتلائم المتغيرات الاجتماعية
والموضوعات المختلفة التي يتطرّق إليها هذا الشاعر ، وأستطيع أن أضيف فيما يخصّ
الجانب القصصي هو الحبكة الجيدة والتسلسل المنطقي للأحداث والسلاسة في التعبير
والبُعد عن السريالية والحشو والتكرار لئلا تكون هذه السلبيات سبباً في نفور
القارئ ، وعدم اكتساب إعجابه لهذا العمل . وبرأيي أن الحكم الحقيقي لنجاح أي قصيدة
أو قصة هو ملامسته لوجدان المتلقي وإثارة إعجابه، وهذا لا يتحقق إلا من خلال
المقاييس التي ذكرناها آنفاً، فهي مقاييس فنية وموضوعية لنجاح أي عمل أدبي هادف
وحقيقي، ويبقى الحكم الأخير لجمهور القراء والمتلقين والنّقاد.
- ما الرسالة التي يوجهها عبد الحميد
دشو لقرائه؟
- المحبة يجب أن تكون عنوان حياتنا ،
بالمحبة نستطيع تقديم كلّ شيء ، ونأخذ أي شيء ، بالمحبة نحوز احترام الآخرين
وتقديرهم ، ويستطيع الإنسان من خلال المحبة والتسامي الممتزج بالفكر والوعي أن
يتواصل مع أبناء مجتمعه ليبني مجتمعاً متكاملاً وسليماً ، ويكتشف مواطن الجمال
والخير في هذا المجتمع ، فلكلّ إنسان دور ورسالة وواجب تجاه مجتمعه فلا يستصغر من
دوره ، ولا يهمل رسالته ، ولا يقصّر عن واجبه ، فالأمم إنما ترتقي بأفرادها ،
بأخلاقهم ووعيهم وإنجازاتهم ، وهذا يتحقق من خلال القراءة والمطالعة والاطلاع على
تجارب الآخرين سواء شعوباً أو أفراد ، وحين يرتبط كلّ ذلك بمحبة بعضنا وتسامي
نفوسنا ، حينها سيغدو العالم شيئاً مختلفاً ، شيئاً جميلاً آخر .
منقول
ليست هناك تعليقات