التنظيم
التنظيم
المحتويات
1-مدخل
2-مفهوم
التنظيم
3-أهمية التنظيم
4-أشكال التنظيم السياسي،
الجماهيري، والمؤسساتي، الإداري
5-لجان التنظيم وأهميتها
6-التنظيم والسياسة
7-التنظيم والمجتمع
8-الفرق بين التنظيم
المنظم والفوضوي
9-العوامل المؤثرة في
تصميم الهيكل التنظيم
أولاً-المدخل
لا يمكن تصور
مجتمع على مر التاريخ قادر على العيش بدون أي مظهر من مظاهر التنظيم، لأن الإنسان في
الأصل كائن اجتماعي لم يدرك في مراحل الخلق الأولى، ما هو عليه الكون من تفاصيل التنظيم
والرتابة بل لم يدرك أيضاً التنظيم الخلقي في طبيعته البيولوجية الحقيقية. ويبدو
أن التنظيم؛ كمفهوم، لم يأخذ البعد الكافي من الممارسة الفعالة على مستوى قياس
المنظور العقلي للأشياء بل ارتبط التنظيم بمدى تطور الأعمال الذهنية من قبل العقل
البشري وتطوره اجتماعياً. وقد احتاج هذا الأمر كثيراً من الوقت حتى استطاع الإنسان
إدراك ما هو عليه من قوى خلاقة، بدءاً من مقولة" اعرف نفسك" للفيلسوف
سقراط، لذا يمكن إطلاق على المرحلة الأولى من التنظيم أنها إدراك الإنسان لنفسه،
فالمجتمع في النهاية صورة عن الإنسان وإن لم يكن الإنسان البشري إلا باحثاً عن
معرفة، ما جوهر الحياة الرئيسي حوله؟
وتعتبر المجتمعات
منذ ظهور الإنسان ككائن حي على هذا الوجود، حينها لم يكن بمعزل عن العلاقات
الاجتماعية، إلا أنه في البدايات، عمل الإنسان بمفرده في إطار الجماعة الذي انبثق
منها، بمعنى أنه كان يفني ذاته لصالح الجماعة في تأمين البنى الأولى للحياة، أي أن
الإنسان في تلك الحالة يرى نفسه من منظور ضيق إلا أنه سليم إذ لولا وجود جماعته
ربما من غير المؤكد التسليم ببقائه في ظروف يغلب عليها الصراع من أجل البقاء. وربما
كان الإنسان في ذلك الحين لم يدرك بعد طبيعة التنظيم بشكله الحقيقي، إنما نشأ من
طبيعة العلاقات الاقتصادية الاجتماعية ما يمكن أن يسمى الكلان الذي أتاح تأسيس لنظام
اجتماعي جديد يقوم على ذوبان الفرد في بوتقة الكل. إن كل ما يثار من قضايا في
السلطة في الشرق الأوسط، وما تمثله من مرض عضال مستشر بكثرة، وذلك مرده إلى
الفردية التي باتت تتغلغل كالسرطان الذي بات كالوحش ينهش من كل شيء أمامه الأخضر
واليابس بلا رحمة، ودون تفرقة بحال الإنسان العاقل، وتنزع من المجتمعات الإطار
الجمعي العام إزاء تداعيات آثار ممارسات السلطة على حياة الفرد والمجتمع معاً. واضطر
الإنسان لبلوغ الأهداف المرجوة وتحقيقها بالشكل الملائم من خلال عدة عمليات عقلية
مترابطة مع بعضها البعض بحيث يتكون أي عمل من حلقة دائرية مفرغة تحت عنوان"
الإدارة"، وتتوزع في الإطار العام لها العديد منى العمليات الذهنية المختلفة؛
كالتخطيط والتنظيم والتنسيق والتوجيه والرقابة بحيث لا يمكن اجتياز أي واحدة من
هذه العمليات إلا بالمرور عليها تراتبياً الواحدة تلو الأخرى. بيد أن الإنسان في
تلك الحقبة التاريخية القديمة الأولى لم يدرك بعد المعنى الحقيقي للإدارة الذي
احتاج مئات السنين إلى بلوغ ذلك المبنى المعنوي واللغوي لمراميها عبر تطوير
التفكير التحليلي إلى مستويات متقدمة في مراحل متعاقبة، بحيث يمكن القول أن
المراحل الأولى ارتبطت بقدرة الإنسان على إيجاد الحلول المناسبة لما يصادفه من
مشاكل مادية، تتطلب نوعاً من الإجراءات بهدف التعامل معها بيسر وسهولة، إلا أن
النهضة الكبرى لعلم الإدارة، وما بها من وظائف ذات صلة، ارتقت بالفكر إلى مستويات
فكرية عالية. ولعل أبرز السنوات التي برز بها هذا العلم، وما يندرج في ثناياه من
تنظيم كان بالقرن التاسع عشر مرتبطاً بالنهضة العلمية، ولاسيما ما قدمته من منجزات
علمية على صعيد الابتكار والاختراع والتكنولوجيا، مما أدى بطبيعة الحال إلى الحاجة
الملحة إلى تنظيم الإنسان بكافة الأعمال لمستوى تنظيمي خالص؛ لتحقيق كفاءة وفاعلية
لإنجاز ما يطلب من نتائج تتطلب الكثير من السرعة والجودة.
ثانياً-مفهوم التنظيم:
التنظيم؛ بحسب ما عرفه الإداريون الأوائل،
هو مجموعة بشرية تضم أكثر من فرد، تشترك فيما بينها بمجموعة من الخصائص، وتتأسس وفق
قواعد معينة لتأدية عدد من الوظائف والمهام من أجل القيام بنشاط ما؛ لتحقيق هدف
يجلب القائدة للأفراد أو المجتمع.
أما تعريف ماري فوليت:" لا يمكننا أن
نتنبأ الآن بمدى التغييرات التي يمكن أن يحدثها التغيير في التنظيم الداخلي على
السياسات الإدارية للمنظمات".
أما موني ورايلي:" التنظيم؛ هو عبارة
عن الشكل الذي تبدو فيه أي جماعة إنسانية لغرض تحقيق هدف مشترك".
أما بالنسبة لـ هنري فايول:" أن
إمداد المنظمة بكل ما يساعدها على تأدية مهامها من المواد الأولية والآلات رأس
المال ويتوجب على المدير إقامة نوع من العلاقات بين الأفراد بعضهم ببعض وبين الأشياء
بعضها ببعض أيضاً".
ومن استعراض التعاريف السابقة تتضح لنا
المقومات التالية لمفهوم التنظيم:
1-يرتبط وجود التنظيم بوجود هدف أو أهداف
محددة وهي مبررات وجوده.
2-يستند التنظيم على تحديد واضح للعلاقات
والسلطات وهذه العلاقات على أساس في تحقيق الأهداف بكفاءة عالية.
3-يستند التنظيم على مجموعة من الأفراد
لديهم الرغبة في توجيه جهودهم لتحقيق الأهداف المتفق عليها.
4-يقوم التنظيم على شبكة من الاتصالات
تكفل ترابطه وانسجامه وتكفل تنمية العلاقات بين الأفراد والوحدات الإدارية.
ثالثاً-أهمية التنظيم
لا يمكن للفرد القيام بأي عمل دون أن يضع
له الاستراتيجية العامة لبلوغ ما ينبغي الوصول إليه من نتائج مرضية، فمثلاً لو سلك
أحد ما ماشياً اتجاهاً معيناً، واضعاً في نصب عينيه، أي الطرق القصيرة السهلة المبتغاة
تضمن معها خدمة صالح الفرد والمجتمع، فأنه لا محالة سيختار أسهلها وأقصرها. إن كافة
الاعتبارات الإيديولوجية التنظيمية التي ينظر لها على أنها المأسسة الأولى لأي
نشاط ذهني سابق لعملية التنظيم. تعد هذه العملية من أكثر صور الإنسانية تكاملاً
وتتخذ شكلاً من الأداء الجماعي المهمة، من جهة فيما يتعلق بتكوينها بمجموعة نفسها
أو في الإطار الاجتماعي العام، وبصرف النظر عن أي أداء ونشاط لن يتحقق النجاح
بالقدر الكافي إذا فصل التنظيم برداء ضيق أو تعاظم إجراء التنظيم برداء أكبر وأوسع
بحجم المهام التي ينبغي العمل عليها، مما يعني ضمناً فشله لا محالة. وهناك مثلاً
مأسسة الدولة، فأنه ينظر إليها؛ كتنظيم هائل يضم تنظيمات متعددة فرعية وأخرى جانبية،
فإذا طبقت قواعدها بشكل ضيق فأنها تصير للعبودية الذي حصل ومازال في أوقات
متقاربة، أما إذا طبقت بشكل فضفاض، فأنها تنتج النظام الرأسمالي الذي يقود أعظم احتكارات
السلطة ورأس المال.
أولى النتائج التي تتأتى من جراء تطبيق
عملية التنظيم السليمة، تأتي ضمن حيز منظومة المهام الجماعية المفترض القيام بها
على مستوى المجتمعي وخدمة لها، فمنذ نشأة الإنسان الأول يعمل ليمثل للآخرين أنه
قادر على بلورة العلاقات الاجتماعية ضمن سياق الجماعات البشرية الكثيرة، وبالتالي فالإنسان
يدافع عن الصالح العام الذي يعد الطابو المقدس للجماعة ووفقاً لذلك فإن سلسلة عملية
التنظيم على طول فترة امتدادها الزمني الطويل لم تنقطع أبداً إلى يومنا الراهن. وإذا
مررنا سريعاً على كافة أشكال التنظيم لا نستطيع حصرها بدءاً من تنظيم اللغة وفق
قواعد محددة وانتهاء بوصفات وأنواع كثيرة من أشكال جهاز الدولة عند كثير من الدول
بدءاً من تشكل نظام الزيقورات السومري حتى الوصول إلى أعلى مستويات مسيرتها في الدولة
القومية أو دولة الأمة، ومروراً بما يسمى حالياً برأسمالية العولمة، أي احتكارات
السلطة من أجل أن تتحكم بمصير البشرية بالكامل، مما يدل على مدى قوة تنظيمها
وهيمنتها على الشعوب المستضعفة.
أما التنظيم الآخر الذي أسس منذ بدء تشكل
البشرية لكنه على النقيض من ذلك، فيتمثل بالمجتمع الطبيعي الذي بلغ ذروته في
المجتمع النيوليتي؛ كتنظيم مضاد للزيقورات الذي تمأسس على يد الرجل الماكر القوي
الذي حاول الاستيلاء على كافة خيرات الشعوب على الرغم أنه الطرف والحلقة الأضعف من بين فئات المجتمع إلا أنه استطاع أن
ينتصر في كثير من التحولات الاجتماعية على الرغم كونه لا يمثل سوى أقل فئة من
المجتمع بيد أنه كان الطرف الأخر وهو المستبد المنتصر دائماً ويلاقي دعماً ومساندة
شعبية من المجتمع البشري بنسبة تزيد عن تسعين بالمائة من المجتمع العالمي، ولا
يتطرق التاريخ الرسمي إلى ذكر ذلك التنظيم ولا توابعه وأتباعه إلا فيما ندر، ولا
عن فشله بالطبع. لابد من وضع التخطيط المناسب الذي على أساسه سيتم تحديد
مسؤوليات التنظيم، فكلما كان الخطيط ناجحاً، فإنه ينعكس على سرعة العمل وجودة
تنفيذه بالطريقة السوية بدءاً من الإداري المدير حتى أصغر عامل، ولا يوجد وقت معين
لتنفيذ المهام بل أن التنظيم السليم ينفذ بأي وقت طالما أن النتائج ستكون مرضية
وذلك لأن التنظيم عملية مستمرة ومتجددة.
إن كل الأبحاث التي أعدها
العديد من المفكرين حول الطابع الإداري، تؤكد أن عملية تنظيم العمل ليست بالأمر
الهين، إذ يتعين من خلال إنجازه وضع سلسلة طويلة من الدراسات التي على أساسها يتم
توزيع الواجبات المطلوب القيام بها في إطار تقسيم الأعمال حسب أنواع محددة، وسنأتي
على ذكرها في حينه، ولما كانت عملية التنظيم شاقة، ومعقدة ومتداخلة، ارتأى
الإداريون على تقسيم عملية التنظيم إلى عنصرين اثنين.
لا يخفى على أحد
أن للتنظيم نتائجاً إيجابية لا تحصى، من أهمها: تحديد توزيعه للمهام بحسب خواص كل
فرد بما يملكه من معارف وطاقات ومواهب التي من شأنها إيتاء القدرة على الخلق
والإبداع مما يتيح للفرد ممارسة واجباته ضمن مساحة مسؤولياته وسلطاته. التنظيم
يمنح الروح المعنوية للفرد وبذلك يقلل من الاحتكاك والتضارب والتعارض لأن التنظيم
يحقق التنسيق التام بين عناصر المجموعة القائمة على العمل من أجل تحقيق الأهداف
المنشودة. وبذلك فأن التنظيم يحقق الاستفادة الممكنة من كل الوسائل والخبرات
والموارد التي من شأنها الاستخدام الأمثل للطاقات البشرية النبيلة فقط. وهذا لا
يعني أن هناك تنظيم خاص بالمهام السلبية التي يتكون على النقيض التام من التنظيم
الخيّر الذي يحث على اتباع الخير والاحسان واستثمار للطاقات الخلاقة أما التنظيم
الآخر، فهو لا يعدو أن يكون مثبط للهمم والسبل الحميدة للنمو والتطوير.
كما قلنا إن التنظيم، هو الخطوة الثانية من بعد التخطيط
في وظائف الإدارة، وبذلك فكل فرد يقوم بتأدية العمل المنوط به بحسب المسؤوليات
الملقاة على عاتقه من المستوى الإداري الهرمي إلى الأصغر وحدة إدارية في هذا
السلم. ويمكن تشبيه هذا البناء الهرمي المتكامل للقيام بالعمل بالآلة التقنية، فكل
فرد يؤدي ويضع في بناءها لمسته بحسب مقدرته واختصاصه الموكل به.
وللتدليل على أهمية التنظيم، فقد اعتبر"
كارينجي" خذ منا كل منشآتنا الصناعية وكل منشأتنا التجارية، وكل طرق
مواصلاتنا، وكل أدواتنا، وأترك لنا التنظيم، وخلال عشر سنوات أربع سوف نكون قادرين
على استعادتها جميعاً".
أما الزعيم" تشرشل"، فقد سأله أحدهم عن كيفية
كسبه للحرب، فرد عليه قائلاً:" بالتنظيم، بالتنظيم، بالتنظيم".
أما علماء الاقتصاد فقد عنوا بالتنظيم:" نظروا
للاقتصاد كونه الإدارة المناسبة لتنظيم الموارد الطبيعية بسبب ندرتها قياساً
بالتحديات السكانية".
أما علماء الاجتماع:" أولوه اهتماماً من زاوية
تأثيره على تماسك بنى الجهود الجماعية".
أما علماء النفس:" فقد اهتموا به لرؤيته في الآثار
التي يحدثها التفاعل بين الأفراد والاختلافات التي يظهرها سلوكهم".
رابعاً-أشكال التنظيم
أ-التنظيم السياسي: هناك في واقع الأمر لكل
تنظيم مقومات ومبادئ وأساليب وأهداف، لكن على كل حال، فأن أي تنظيم سياسي، يعد هو
الأشمل؛ لأن بإمكانه تلبية تطلعات الشعب في حياة حرة كريمة، ويكون ذلك من خلال حزب
سياسي على الأغلب الذي يقدم نفسه إيديولوجياً عبر حركة أو تجمع أو ما شابه ذلك.
أما التنظيمات الاجتماعية، فتتأمسس على شكل جمعيات أو مؤسسات اجتماعية. وانطلاقاً من
ذلك يمكن الاطلاع بوجود العديد من الإيديولوجيات في العالم؛ كالإيديولوجيات
الدينية والماركسية والرأسمالية وغيرها.
فالعامل الأول، أن يلتزم أي تنظيم مهما
كان هدفه بمجموعة من الرؤى التي يجعلها ضمن أهدافه وناطقة باسمه، وهي بمكان مهم على
أي منظمة أو فرد ممارسة هذه الإيديولوجية إذا عرف أنها تؤمن له ما ينبغي من
المشاركات السياسية والاجتماعية حتى تغدو للمجتمع حاجة ولأي تنظيم أيضاً تشبه بذلك
العمود الفقري لجسم الإنسان، بحيث لا يمكن لجسم الإنسان أن ينتصب من دون العمود
الفقري، ولا يمكن حينها لأي تنظيم سياسي أن يصمد ويستمر في النضال من دون
إيديولوجية ما.
أما العامل الثاني، فهو للتنظيم السياسي
الذي يمثل الشريحة المجتمعية الأكبر بحيث أنها تقسم بهذه الحالة إلى أربعة أقسام،
منها الفرد العام والعضو والنصير والقيادي ومن خلالها يستطيع المناضل أن يخاطب
المسحوقين والمضطهدين، مهما تنوعت معتقداتهم وأديانهم.
أما العامل الثالث لأي تنظيم أن يتبناه من
برنامج أو نهج يحدد صيرورته التي ستؤمن للأعضاء الالتفاف حول التنظيم سريعاً، هل
يتبنى المناضل الأسلوب السياسي أم الكفاح المسلح أم الاثنين معاً؟، وهل يتبنى الديموقراطية
المركزية أم اللامركزية في شخص الأمين العام أو الرئيس؟، وأي الممارسات التي على
إثرها من الممكن اتباعها منسجماً بمنطلقاته وملتزماً بمبادئه وبرنامجه؟، مما يساهم
في استقطاب النخب وارتفاع الشريحة المجتمعية التي يعمل من أجلها ولصالحها، ويلاقي
من بعدها إقبالاً جماهيرياً وانضماماً بنفس الدرجة.
ب-التنظيم الجماهيري: لا شك أن أي نجاح
مهما كان لا يكون إلا بقياس مدى تطبيق عملية التنظيم وقبول شرائح المجتمع لها
طوعاً لا وبل من خلال التجاوب الإيجابي مع ذلك عبر دعمه والانضمام إليه، لتدارك
ممارسات السلطة باعتبارها النمر الذي ينهش فريسته بمخلبه قاتلاً بها حياة أحد ما،
والتي إن بقيت بشكلها الوحشي ستلتهم كالسيل الجارف كل ما يمكن أن يحول دون انعتاق إمكاناتها
وطاقاتها. إن الظهور الأول لفوضى التنظيم ابتدئ باستخدام خبرتها وتجاربها في
التآمر على مصالح الناس لما أقصى الرجل الماكر جميع ما حوله من خصوم ومناوئين بهدف
الوصول إلى الأهداف المسيسة لمأسسة جهاز الدولة الهرمي الجديد. كان تأسيس نظام الزيقورات
السومرية منذ 5000عام ق.م ووصولاً إلى يومنا الراهن، قد أشاع ما يمثل للمجتمع إلى
وجوب تقسيم المجتمع إلى طبقات لتغدو هذه بعد برهة من الوقت العدو اللدود للمجتمع نفسه
الذي صيره في هذا المكان عبر تنافسه مع غيره على مصادر رزقهم وأشربّت نفسه تشرعن
وجودها من خلال إيهام الناس أنها هي الإله المخلص من كل شيء حتى تتمكن من السيطرة
عليها وقمعها والتفاف حول حريتها، ولبلوغ ذلك الأمر يطلب منها فرض أجندتها
التنظيمية على الجماهير من خلال إيديولوجية التنظيم.
تستنفر كل المراكز والمؤسسات المتخصصة في
بحوث ودراسات الإيديولوجيات التابعة لجهاز الدولة من أجل إطلاق وتكريس أدبيات وفق
إرادة الحاكم ومنطلقات نظرية، تعتبر خطاً أحمراً بالنسبة لمن يحاول منع مأسستها وضرب
تكوين بنيتها الداخلية، وبالطبع فهو يعتمد على وسائل عدة أبرزها الإعلام لطرح
السياسات التي يرتضيها النظام الحاكم؛ بهدف خلق توازن جماهيري بين من يؤيد هذا
النظام ويعمل لأجله، وبين من يناوئ ضد النظام لأجل خلق الضبابية وتشويه صورتهم لتجميل
صورته أمام هذه الجماهير، ولا يمكن أن ينتهي التنظيم السياسي القذر طالما هناك من
يؤيد جور الرأسمالية التي كلما انتهى تنظيم ما، تسعى جاهدة من جديد لإنتاج الإيديولوجيات
أخرى تحت تسميات متعددة إلى جانب التيارات الليبرالية المناوئة لهم، وهي بهذا
الشكل تضمن وجودها وبقاءها الدائم في السلطة، مكرسة ضوابط غير أخلاقية وغير متزنة وغير ممتهنة لأنها إذا
تم تطبيقها بالشكل السديد والمناسب بالمجمل العام، فقد يكون هلاكها على يدها ولأدى
ذلك بالمجتمعية إلى التناثر والانتهاء مما يعني القضاء على الإنسانية، كما تشن
حالياً الحروب على العالم الضعيف وسيأتي اليوم الذي تلقى نفسها صريعة نظامها
الرأسمالي.
يمكن القول إن هذا العصر، هو عصر الحرب
الإيديولوجية الذي بات المعيار الأول الذي يلجأ إليه الحكام لضمان البقاء في
السلطة، وخير مثال على ذلك ثورات الربيع العربي في بداية عام 2011 حيث تمثل رمزية
للخروج عن النسق وعملية التنظيم الذي خلفته الرأسمالية في هذه المجتمعات منذ بروز
حركات التحرر بهذه البلدان المتمثلة؛ بإنتاج حكام تابعين للبؤرة الأولى التي كونت
هذه الأنظمة قبل رحليها عن هذه المنطقة، وأوجدت ممن يقومون بتنفيذ أجندتها خارجياً
عبر تأسيس علاقات سرية مع عناصر يدينون بالولاء لها من الداخل مما يصطلح على
تسميته بالحروب الناعمة من أجل تحريف التنظيم عن نهجه السليم، وإذا ظهر ما يخالف
فيما وبين هؤلاء الزمرة، فأنها تحاول بطرق ملتوية تشجيع أحد الأطراف ضد الطرف
الآخر، بهدف تأجيج الصراع الداخلي وإحداث شرخ داخل التنظيم.
الحرب الخاصة التي يقوم بها رجال السلطة،
تعكس المصالح الجيوسياسية والاستراتيجية من أجل فرض واقع يهيمن على الغالبية
الضعيفة التي لا تملك قرارها أبداً. ناهيك عن استخدام الإمكانيات كافة من قبل قواته
النظامية وغير النظامية بهذه الحرب من تلطيخ وتشويه الحقيقة عن العناصر القيادية
في التنظيم، فتارة يتهمهم بشتى الصفات الدنيئة ويشكك في عدم صدقيتهم (آبو ذو أصول
أرمينية والاتهامات الأخلاقية للقياديين) وتارة أخرى يحاول القضاء عليهم بوسائل
العنف والاعتقالات والتعذيب والتصفية. إذن الحاكم لا يتوانى عن إنتاج حرب داخلية
بين مكونات المجتمع ومكوناته بمجرد أنه أيقن وتأكد لوهلة واحدة أن نظامه في حالة
خطر، فتراه يهتاج؛ كالثور لأنه سيفلت الأمور من عقاله، فالنظام لا يهمه مصالح
المجتمع أبداً، بل هو مهتم بالمجتمع من خلال رؤيته لهم كقطيع يحقق له ما يطمح
إليه. وإذا أيقن الحاكم أن المجتمع ليس بقطيع بل يتكون من بشر ويمتلكون شيئاً اسمه
الإنسانية، ويعملون من أجل حريتهم وإنسانيتهم، فإنه يعمد إلى تجييش كل ما يملك
لإبقائها في التنظيم العبودي ولن يتردد مرة واحدة في إفناء المجتمع والقضاء عليه.
ج-التنظيم المؤسسساتي: ويدين التنظيم إلى مجموعة من النظريات الإدارية، وما
تحتويه من تنظيم بارز على مستوى الفكر والسلوك في المنظمة والمؤسسات، ويتميز بما
يلي:
التنظيم
الرسمي هو التنظيم الذي تنُص عليه القوانين واللوائح الموجودة داخل المؤسسات،
ويُستمد التنظيم من الهيكل الرسمي، ويتم عن طريق الإدراك والوعي من أجل تنسيق
الأعمال الخاصة بالمُنظمة، لتحقيق أهدافها.
وهناك
العديد من الأنماط الخاصة بالتنظيم غير الرسمي، وهي التنظيم الرأسي؛ يتم هذا
التنظيم عن طريق امتلاك كل رئيس سُلطة مطلقة من أجل توجيه المرؤوسين، كما توجد
سُلطة مُطلقة للمرؤوسين، تتمثّل في توجيه الأشخاص التابعين لهم، وتتم الأمور بهذه
الطريقة إلى الوصول لأدنى مستوى من العاملين، حيث تتحرك السلطة بشكل رأسي من أعلى
إلى أسفل وبشكل متصل ومباشر، ويُعرف هذا النوع من التنظيم باسم التنظيم المُباشر،
أو التنظيم التنفيذي، أو التنظيم العسكري.
ويمتلك
هذا النوع من التنظيم عدداً من المزايا، تتمثل بما يأتي:
أ-تقديم
فُرص جيدة من أجل التدرّب على عمليات التشغيل التي تتم بشكل مُباشر.
ب-تحديد
السلطات الخاصة بكل مستوى بوضوح.
ج-تحديد
واجبات كل شخص داخل التنظيم بشكل واضح.
د-المساعدة
على أخذ القرار بسرعة.
وكذلك
يتسم هذا التنظيم بعدد من السلبيات، نذكر منها:
أ-لا يتيح
الوقت من أجل ممارسة الأنشطة المهمة التي تتمثّل في البحث، والتخطيط، والتطوير.
ب-يتسبب
في إرهاق المدراء بشكل يفوق طاقتهم.
ج-لا يُشجع هذا النوع من التنظيم على تقسيم
الأعمال، لأن المدير هو الشخص الذي يتخذ القرار في كافة أمور مرؤوسيه.
التنظيم
الوظيفي يتم هذا التنظيم عن طريق التخصص الوظيفي في المنظّمة، حيث تتخصص كل وحدة
إدارية في المُنظمة بوظيفة محددة، فتقوم بكل النواحي التي تتعلق بالوظيفة، فنجد في
المُنظمات عدة إدارات مثل إدارة المُشتريات، وإدارة التسويق، وإدارة الإنتاج.
ولهذا
النوع من التنظيم عددٌ من المزايا التي تتمثّل بما يأتي تحقيق التعاون بين
الموظفين في مختلف الإدارات الخاصة بالمنظمة، أبرزها:
أ-التخصص
في الوظائف والمهام.
ومن عيوب
هذا النوع من التنظيم، يبرز فيما يلي:
أ-ما يأتي
ضبابية السُلطة والمسؤولية وعدم وضوحها بالشكل الكافي.
ب-حدوث
تأخير في إنجاز بعض الأعمال، بحيث تتأخر عن وقتها المُحدد.
د-احتكار
السُلطة لدى عدد قليل من الأشخاص ذوي الخبرة. عدم المرونة.
التنظيم
الرأسي الوظيفي؛ يتم هذا التنظيم عن طريق سلطتين، الأولى هي الرسميّة والثانية هي
الاستشارية، وتكون عبر استعانة السُلطة الرسميّة بالمستشارين من أجل الأخذ بآرائهم
قبل اتخاذ أي قرار، حيث تتلخص مهمة المستشارين بالإرشاد، والنُصح، وإبداء الرأي،
أما فيما يتعلّق باتخاذ القرار فهذا الأمر من صلاحيات الأشخاص ذوي السُلطة الرسميّ.
ويُعرف
هذا النوع أيضاً باسم التنظيم الرأسي الاستشاري، كما يحتوي هذا النوع على عدد
المزايا التي تتلخص فيما يأتي:
أ-يساعد
المدراء على التفرّغ للأعمال الإدارية، حيث توكل الأعباء الفنيّة للمستشارين.
ب-يتميز
هذا التنظيم بالمرونة.
ومن عيوب
هذا النوع من التنظيم، نذكر منها:
أ-إمكانية
حدوث النزاع بين السلطة الاستشارية وبين أصحاب السلطة الرسمية.
-إتاحة
الفرصة للمدراء التنفيذيين للتهرّب من تحمل المسؤولية، خصوصاً عند الفشل في اتخاذ
القرار، حيث يقومون بإلقاء اللوم على المستشارين.
ب-عدم
تقديم التحفيز الكافي للمستشارين لتقديم الآراء بشكل فعّال، لأن النجاح يُنسب إلى
المدراء التنفيذيين في نهاية المطاف.
خامساً-اللجان وأهميتها
تحتل اللجان في ثنايا علم
الإدارة مركزاً هاماً إذ لا يمكن الاستغناء عنها في أي عملية للتنظيم الذي يرى
فيها الجذور التي على أساسها تتهيأ كافة المحافل والمؤسسات لتغدو الأغصان فيما بعد
حاملة للثمر.
وتعرف اللجان: بأنها مجموعة
من الأفراد مسؤولة عن القيام بعمل معين، ويمكن القول إنها تقسم إلى سلطة تنفيذية؛
يطلق عليها لجنة تنفيذية في حال قدرتها على اتخاذ القرارات وإصدار الأوامر الملزمة
للغير، وإن كانت استشارية؛ فهي تقدم اقتراحات وتوصيات مهمة. ويمكن الاستفادة من
عمل اللجان في كثير من المجالات الإدارية، بحيث يكون لها قيمة لنتائج مرضية على
صعيد العمل التنظيمي، ولعل أبرز هذه الأمور، يمكن تلخيصها بما يلي:
1-الرأي الجماعي المتكامل،
بحيث تكون القرارات الصادرة عنها مهمة، بما يشبه مجلس شورى مصغر، وهذا الأمر لا
يتأتى مع القرارات الصادرة عن الأفراد أنفسهم.
2-لا يمكن أن ينجح عمل
اللجان إذا لم يكن هناك تنسيق على مستوى عال من الأداء الإداري، كونها- كما قلنا
فيما سبق- تصدر عن رأي جماعي يمهد ويسهل من إجراء التنسيق فيما بينها.
3-التعاون: إن خلق روح
تعاونية من الأمور التي تستطيع أن ترقى بالعمل بدرجة عالية من التخطيط الذي يتيح
الكشف عن تدريب الأعضاء بشكل مميز.
4-تدريب الأعضاء؛ إن اللجان
تستطيع تمحيص قدرات الأعضاء، وهذا من شأنه البحث عن حلول للمشاكل الراهنة التي
تعيق العمل، مما يقطع شوطاً لبلوغ وشغل مناصب أعلى للأعضاء المتميزين.
ولابد من القول إن اللجان؛
كمدخل لعملية تنظيمية، تستخدم لعدد من الأمور التنظيمية المحضة، كالحاجة لمعرفة
إذا كان هناك معلومات متعددة، تتيح وجود الغالبية؛ تقديم العديد من الآراء تسهم في
تطور واقع العمل. إضافة لذلك تعد اللجان بمثابة الخلية التي يصدر عنها الكثير من
القرارات الهامة بشكل يستطيع الجميع تقديم خبراتهم بخلاف حين ينحصر الأمر بفرد
بعينه، وهذا مما يضيفه في المحصلة خبرة الأفراد المتخصصين بهذه اللجنة. وقد يفرض
وجود اللجنة تنفيذ القرارات التي من شأنها زيادة الإنتاجية؛ كونها تتوقف على فهم
اعتبارات متعلقة بها.
سادساً-التنظيم والسياسة
نتساءل كل حين، ما دام هناك واقع مليء
بالفساد، فما هو السبيل إلى التغيير الجذري السليم؟ لابد من القول إن هناك رغبة في
التغيير عند أي فرد يصبو إلى يتطلع تنفيذه، فأنه سوف يصل إليه مهما كان الأمر من
الصعوبة بمكان أن يحققه على الرغم من التكهن بوجود عقبات ومشقة، ذلك أن الجهود
الفردية لا تكفي لوحدها لتخطي عتبة العراقيل الطويلة، ولكن يفترض بقناعتنا أن
الجهود الفردية تشبه قطرات المطر، فأنها في بداية أمرها ضعيفة واهنة، لكنها إذا
اجتمعت بعد مضي من الوقت، فهي قد تتحول إلى سيل جارف خطير. فمثلاً التنظيم
الجماهيري المجتمعي، يمثل القناة التي تتجمع فيه قطرات المطر أو الجهود الفردية،
وبناء على هذه القناة يمكن قياس عدة أمور التي تؤدي بطبيعة الحال إلى البناء
والتشييد؛ ليحقق بذلك الرخاء والحياة التي تليق بالإنسان. أما إذا تمت إساءة
استخدام هذه القناة بحيث لم تعد هناك قدرة للسيطرة والتحكم بضغوطها، فقد تؤدي إلى
الهلاك قطعاً مدمرة كل شيء أمامها وقد لا تنتهي بدمار البيوت، وإنما حتاماً إلى
الموت، فإذا كان التغيير مطلوباً، فلا بد من وضع خريطة ذهنية للتنظيم القادر على جمع
الجهود الفردية (قطرات المطر)، وتوجيهها بشكل سليم (أساليب ووسائل النضال)، حتى
يتحقق الهدف المنشود (إقامة نظام دائم يلبي حاجة المجتمع).
سابعاً-التنظيم والمجتمع
هناك مفاهيم عديدة للسلطة،
فهناك السلطة القانونية، والفنية، والنهائية والتنفيذية والاستشارية والوظيفية،
وتعتبر السلطة القانونية من أهم السلطات. السلطة القانونية تتشكل عادة من حرية
الشخص من الناحية القانونية لاتخاذ إجراء معين، وهي لا تخرج عن كونها سلطة إدارية،
وتعد من أكثر السلطات التي يستطيع أن يمارسها المنظم في السلم الإداري. ومن المهم
إعطاء السلطة الملائمة إذ يهمنا بالذات من أنواع السلطة الثلاثة، التنفيذية
والاستشارية والوظيفية، فإذا حدث خطأ في تحديد النوع، فإن التنظيم سيؤدي إلى
الفشل. إن من أبرز مظاهر السلطة التنفيذية في التنظيم، ويمكن ملاحظتها من خلال
تحديد الأهداف ورسم السياسات وتقرير الإجراءات ووضع الخطط والبرامج الزمنية. وفي
كل هذه الحالات وغيرها تظهر السلطة حقاً في اتخاذ قرارات من شأنها التأثير على
تصرفات الآخرين، فليست السلطة صفة شخصية لبعض الناس، وإنما هي طريقة لتحديد وحصر
علاقات الأفراد باتخاذ القرارات، فالسطلة من حيث التشريع تحد في نفس الوقت من سلطة
الآخرين.
مراحل تنظيم المجتمع:
تشمل هذه المرحلة عملية
الدراسة والتشخيص والاتصال بسكان المجتمع (الاتصال بالأهالي)، والدراسة يقصد بها
دراسة المجتمع بهدف جمع بيانات تساعد في اعطاء صورة صادقة عن ظروف المجتمع
الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وعن موارده وإمكانياته المختلفة.
التشخيص: العملية المهنية
التي يقوم بها الأخصائي الاجتماعي تحديد احتياجات المجتمع ومشكلاته ومدى توفير
الموارد والإمكانات المتاحة والكامنة التي يمكن استخدامها لمواجهة هذه الاحتياجات
وتلك المشكلات، ومدى رغبة سكان المجتمع واستعدادهم للعمل المشترك لإشباع
احتياجاتهم وحل مشكلاتهم ويعتمد الأخصائي في تشخيصه لحالة المجتمع على البيانات
التي يحصل عليها من الدراسة ومدى فهمه للمجتمع الذي يعمل فيه.
ويقصد بالاتصال: العملية
التي تنقل بها المعلومات والقرارات التوجيهات خلال المنظمات الاجتماعية والوسائل
التي تساعد على تكوين أو تعديل المعرفة والآراء والاتجاهات.
ويقصد بخطوات طريقة تنظيم
المجتمع (مجموعة الجهود التي يقوم بها المنظم الاجتماعي منذ تعامله مع المجتمع إلى
الانتهاء من العمل معه أو الانتهاء من المشكلة التي يواجهها والانتقال إلى مواجهة
مشكلة أخرى يحتاج اليها أفراد المجتمع).
وتنقسم مراحل تنظيم المجتمع
إلى أربعة مراحل:
أولاً: المرحلة
التمهيدية:ـ تشتمل هذه المرحلة التعرّف
على المجتمع من خلال معايشته وليس دراسته من الخارج، حيث تتضمن إمكانية التعرف على
المجتمع عن طريق معرفة قيمه، وحدوده، ومعاييره، وجماعاته، وأصحاب السلطات فيه،
والمشكلات، والحاجات، والموارد البشرية، والمادية المتاحة، كما تتضمّن المرحلة
التمهيدية كسب ثقة الأهالي، وتكوين العلاقة المهنية، حيث يؤثر ذلك على مدى تقبل
المجتمع لفكرة المنظم الاجتماعي، ونجد أنّ هذه المرحلة تنتهي من خلال عمليات تنظيم
المجتمع، حيث يمكن أن تكون على شكل لجنة، أو مؤتمر، أو مجلس يجمع بين القيادات،
والمنظمات الاجتماعية، والخبراء، وكل جهة يمكنها أن تساند طريقة تنظيم المجتمع.
ثانياً: المرحلة التخطيطية:
تبدأ المرحلة التخطيطية بالمشاركة الحقيقية من قبل القيادات الموجودة في المجتمع،
حيث تشارك مع المنظّمات الاجتماعية في دراسة المجتمع وتحديد مشكلاته من أجل وضع
أولوياتها، يشار إلى أنّه لا بدّ أن يلتزم أسلوب التخطيط بمجموعة من المبادئ،
كالواقعية، والشمول، والاتّزان، والمرونة، والشمول في جوانب النموّ، وتنتهي هذه
المرحلة عند خطة العمل، حيث تقسم هذه الخطة لعدّة مراحل زمنية، يتم فيها توزيع
المسؤوليات، وتحديد البدائل بالنسبة لكل خطوة، ووضع البدائل من أجل مواجهة أي
مشكلة طارئة.
ثالثاًـ المرحلة التنفيذية: هي
مرحلة التدخل الفعلي لإحداث التغيير، أي بدأ العمل الفعلي في اشباع الاحتياج أو
مواجهة المشكلة وهي تعني ترجمة المشروعات والبرامج الموضوعة إلى واقع. وفي المرحلة
التنفيذية على الأخصائي الاجتماعي أن يعمل على تحقيق الآتي:
-استثارة الرغبة في سكان
المجتمع لإحداث التغيير
-إحداث التغيير
-تثبيت التغيير واستمراره
رابعاً: المرحلة التقويمية: وتتم المرحلة
التقويمية من خلال اشتراك كلّ من المنظمات الاجتماعية، وقيادات المجتمع، حيث تتم
باتباع أساليب علمية، وتكون من ضمن خطوات التنفيذ سواء أكانت نهاية المرحلة، أو
المشروع، أو العمل، وللتقويم أهمية بالغة إذ إنّه يجعل قيادات المجتمع تكتسب الثقة
في قدراتها، وذلك من خلال التطور والتقدم المستمر في المشروع الذي يتضح لها، كما
يضمن معالجة المعوقات أولاً بأول حتى يتم تحقيق الأهداف التي قام من أجلها
المشروع، ويجب إحلال منظمات اجتماعية أخرى من أجل العمل مع المجتمع.
دور المنظم الاجتماعي:
-الإيمان بقيمة الفرد
وكرامته.
-الإيمان بالفوق الفردية
سواء بين الأفراد أو المجتمعات أو الجمعات.
-الإيمان بحق الفرد بممارسة
حريته في حدود القيم المجتمعية.
-حق الفرد في تقرير مسيره مع
عدم الإدرار بحقوق الغير.
-تؤمن الخدمة الاجتماعية
بالعدالة الاجتماعية بين جنس وآخر او بين ديانة وأخرى.
-تؤمن بالحب والتسامح.
-تؤمن ان الانسان هو الطاقة
الفريدة في أحداث التغير الاجتماعي ومن أجل رفاهيته.
-المساعدة على تأدية الادوار
الاجتماعية التي تعوق القيام بها مثل دور رب الاسرة في الانتاج والعمل.
ثامناً-الفرق بين التنظيم
المنظم والفوضى
إن المنظور الطبيعي الذي انطلق منه
التنظيم من خلال الأسرة باعتبارها أول تنظيم طبيعي عرفته البشرية بمسيرتها بغض
النظر عما كانت هذه المجموعات البشرية قد عاشت أو تعيش في منطقة ما أو تنقلت معاً
من مكان إلى آخر. يعتبر ذلك تنظيماً طبيعياً لوفرة الغذاء والمكان وعدم تطور فكرة
الاستيلاء على القيم وفائض الإنتاج. حتى عند استقرار المجموعات البشرية لأول مرة
في ميزوبوتاميا منذ ما يقارب اثنا عشر ألف سنة قبل الميلاد. بالمقابل من هذا، فإن
ظهور أول شكل للتنظيم الذي يستهدف الإنسان الطبيعي قديماً، يمكن ملاحظته بظهور
الرجل القوي الماكر أبان فترة المجتمع النيوليتي التي ازدهرت بها الزراعة واستطاع
أن يؤمن بخبرته وذكائه فائض الإنتاج والقيمة للأسرة والمجتمع، وبالتالي يمكن القول
إن التنظيم أخذ بعداً ثنائياً منذ مسيرة البشرية بين تنظيمات ضارة بالمجتمع وأخرى
دفاعية تدافع عن القيم الإنسانية إلى يومنا هذا.
تدين الملامح الأولى لتوضيح بدايات
التنظيم المنظم لفضل القائد" عبد الله أوجلان"، في كتابه:" الدفاع
عن شعب" الذي أفاض فيه الحديث عن ذلك المجتمع الأول المنضبط أخلاقياً، المليء
بالقيم الإنسانية التي في ماهيتها مفهوم الإنسان البعيد عن القوالب الجاهزة
والمصطنعة من قبل السلطة التي استعبدت الإنسان، وأوجدت مجموعة من القواعد
والأساليب والطرق لضمان استمراريتها وجودها في الأفراد وكذلك المجتمع.
لقد برز التنظيم المنظم في أولى المجتمعات
القديمة، مما تناقلته الآثار التي بقيت حتى يومنا، إذ تشهد على الابتكار والتنظيم
والإبداع في اختراع اللغة وإلهامه في الثورة النيولوتية، واكتشافات أخرى في الفلك
والرياضات والهندسة والقانون وغيرها. إن آثار معبد "غوبكلي تبه" قرب
أورفا في شمال كردستان، والمكون من المسلات المنصوبة، أي الأعمدة الحجرية المنقوشة
الدالة على أن هناك جهداً جماعياً (منظماً) قد تم بذله، أي أنه ليس عملاً فردياً،
بل هو نتاج تضافر جهود حثيثة أثبتتها الكثير من الحفريات والآثار والبقايا الأخرى
المتناثرة بكل أنحاء ميزوبوتاميا، أما في العصور اللاحقة لظهور المدنية الأولى
التي تشكلت في العهد السومري، فتظهر الفوضى جلياً في نظام الزيقورات الذي شيد على
يد الكهنة على أساس طبقي ووظيفي في نفس الوقت، وأثار صراع على المادة وإحداث
انشقاق فكري على مستوى العملية التنظيمية.
وانطلاقاً من ذلك يمكن أن نلخص، إن نظام
الزيقورات الذي وجد على شكل هرمي، فأنه مؤلف من ثلاثة طبقات، في كل طبقة منها
مجموعة من الأفراد يقومون بعدد من المهام الموكلة بهم. في حين يتواجد بالطبقة
السفلى المنتجين الذين يمثلون فئة العبيد وسواهم ممن يفرض عليهم قواعد عامة من جهة
علاقاتها مع بعضها البعض من الأسفل إلى الأعلى وبالعكس. وتكمن وظيفتها في إنتاج
القيمة والمواد الإنتاجية وكذلك الحال في إنتاج العبيد أمثالهم. أما الطبقة
الثانية، وهؤلاء هم غير منتجين وإنما يحكمون بإدارتهم للطبقة الأولى من خلال
استخدام القوة والشدة والاحتيال ويشرفون على الإنتاج والتصرف به، كما أنهم يعتبرون
حلقة وصل بين الدور الأعلى والدور الأسفل وبهذه الوصاية بعد ذلك يقومون بتنفيذها؛
كأوامر إلهية مقدسة وفقاً لمنظومة وقواعد التي تعمل المقررة لذلك. الطبقة الثالثة،
تتكوّن عادة من الرهبان والآلهة الحكام الحقيقيين المجتمع السومري، فيما ينظر إلى
عملهم؛ كجهة إلهية تقرر ما يصدر من التشريعات وصياغة الإيديولوجيا والقوالب
الجاهزة، بحيث تضمن استمرارية عبودية المجتمع والنظام لذاته. كانت النقطة الأهم في
ذلك، إنه تشكل أول تنظيم جماعي سلطوي للرد على التحولات الاجتماعية والاقتصادية
المنجزة من قبل الفئات الاجتماعية والاستيلاء على كافة أرزاق المجتمع ومصادرة كدحهم.
ومنذ ذلك الحين نشأت بناء على هذا الواقع المتضارب
جهاز الزيقورات الفوضوي بكافة أبعاده الاستغلالية والاحتكارية والدونية أمام
المجتمع الأيكولوجي الذي كان قائماً على منظومة التعاون والتشارك. وبرز في هذا
الواقع ثورتان متناقضتان؛ ثورة تقوم على حمل ميدان السلاح والتكتلات للرد على
تأثير الإيديولوجيات والقوالب التي نشأت من صنيع الرهبان في محاولة منهم لمأسسة
نظام رأسمالي قائم على التهام الطبقات الكادحة، كالنار حين تلتهم أكوام من القش،
في مقابل ذلك نشأت ثورة مضادة دفاعية تحافظ على تطلعات الشعوب المستضعفة في مواجهة
أي غزو خارجي، وتعمل بشقاء وكد من خلال تنظيمها كجماعة تشاركية كومنالية. ومما
تقدم نستطيع أن نخلص إلى مجموعة من التعريفات حول ما يلي:
التنظيم المنظم تعريفاً بحسب جمهور عريض
من الكتاب: هو شكل من أشكال القيادة الذي يمكن تحويل موارد مجموعة أو قاعدة مجتمعية
ما إلى القدرة على إحداث التغيير، فيستند على خلق قيادات جديدة ضد شرعنة الدولة، وباختصار
تبني قيم فردية اجتماعية حرة ديمقراطية لا تتفق مع معايير التعايش المشترك بين
أفراد المجتمع.
فمثلاً هذا الطرح يتفق مع طرح القائد عبد
الله أوجلان الذي اعتبر أن الدولة فشلت في تنظيم دعم ترسيخ الترابط الاجتماعي
بقوله:" فالاعتراف بحق التحول إلى أمة ديمقراطية كان الحل الأنجع والأنجح
والابل للتطبيق دون الحاجة إلى دولة قومية كردية، بل وحتى دون الحاجة لتحويل الدول
القومية الحاكمة إلى أشكال من الطراز الفيدرالي بناء على ذلك، فخارطة الطريق- كانت
تعبّر كفاية عن مبادى الحل والسلم المأمولبن، لكن الأوليغارشية السياسية والشرائح
الكائنة داخل الدولة والمتأثرة جداً بتقاليد التطهير العرقي، ما انفكت عاجزة بأي
شكل من الأشكال عن البت في قرار السلم والحل الديمقراطي".
ولعل هذه النظرة لأوجلان تشبه إلى حد ما
نظرة أصحاب المدرسة الفوضوية، وأشهرهم؛ باكونين، وكروبتكين الروسيان اللذان ذهبا
كحال أوجلان أن الدولة بشكلها الحالي، تمثل الشر الأعظم، وأن الفرد الحر هو بقيمة
المثل العليا التي ينبغي الاهتمام بها. كما أن نظرتهم جميعاً تتفق على أن الثورة
واجبة ضد كل سلطة بإثبات شخصية الفرد والرفع من شأنها وقيمتها وعلى تأسيس مشروع
إزاء مجتمع من الأفراد الأحرار.
أما الفوضوية: ينبغي الحديث أن الفوضى قد ترتدي
زياً جميلاً قد يشبه قوالب الدولة التي تدعي أنها تمثل نفسها بأقنعة واهية خادعة
براقة مهيأة بأطر عامة؛ كدولة مؤسسات وهياكل وقانون ودستور بينما في واقع الأمر هي
أشد قبحاً وشراً من الماء الآسن لأنها بلاء انكب على صدر الشرق الأوسط منذ بدء
أوربا في القرون الوسطى بالتعبير عن أشكال مختلفة من أنظمة الحكم. وعلى هذا النحو
فإن الدولة بشكلها الحالي تمثل أعلى مستويات الفوضى التي لا بد من الخلاص عاجلاً
ليس آجلاً باعتبارها الوباء الذي سبب جميع أزمات الشرق الأوسط التي ألمت به منذ
نشأة عصر النهضة في هذه المنطقة.
وبذلك الفوضى عند الدولة تشبه أصحاب المدرسة
الكليانية، باعتبارها نظام يحتكر الدولة فيه جميع سلطاتها ونفوذها على حساب الفرد
الذي يفقد قيمته الذاتية وينحصر دوره في الطاعة وتستمد الدولة سلطتها من مصدر
متعال لا المواطنين، فقد يكون الملك خليفة الله في الأرض. وأشهر رواد هذا المذهبط
مونتسكيو" الذي اعتبر أن هنالك نوعان من الاستبداد، الأول؛ مادي ويتمثل في
العنف الذي تمارسه الدولة. أما الثاني فهو الاستبداد بالرأي ويتجلى عندما تفرض
الدولة أموراً تزعج المأمول من التفكير".
أما الفيلسوف" دي لا بينيه" فقد
اعتبر أن سلطة الدولة تظهر في تنظيمها للبلاد نزوعاً مستمراً إلى استبدال
المبادرات الشخصية للمحكومين بمبادراتها التحكمية الخاصة".
تاسعاً-العوامل المؤثرة في
تصميم الهيكل التنظيمي
يمكن تقسيم عملية تصميم
التنظيم إلى عنصرين، هما تحديد المسؤوليات وتحديد السلطات. أما بالنسبة لتحديد
المسؤوليات، فيتم من خلال تقسيم أوجه النشاط المختلفة في وحدات إدارية، مجزأة عن
بعضها البعض لكنها في ذات الوقت مرتبطة بالسياق العام. أما بالنسبة لتحديد
السلطات، فيتم تحديد السلطات الممنوحة للمختصين، بإقرار نوع السلطة سواء كانت
تنفيذية، استشارية، وظيفية، ودرجة السلطة، الممنوحة، علاوة على درجة نوع المركزية
واللامركزية، فيما بين العناصر ذات التسلسل الإداري، وبذلك تتكوّن وتتحدد المناصب
الإدارية التي تكوّن الهيكل التنظيمي، الذي تؤثر به عدد من العوامل المؤثرة
بالوحدات الإدارية، إدارات وأقسام، إذ لا يمكن اعتبار بناء العمل على نزعات
اعتباطية أو رغبات عاطفية، وإنما يحكمه عوامل أساسية بدرجة اختلاف الظروف، وهذه
العوامل.
-الاستفادة من التخصص.
-الحصول على التنسيق.
-ضمان إعطاء الاهتمام
الملائم للعمل.
-المساهمة في الرقابة.
-خفض التكاليف.
-اعتبارات خاصة مثل: الظروف
المحلية وطبيعة العمل.
يستطيع الإداري القائم بعملية
التنظيم؛ تقييم لعملية الهيكل التنظيمي، إذ من شأن ذلك أن يلم الإداري إلماماً
كبيراً بجميع الخصائص التي تشترك فيها الوحدات الإدارية بأوجه النشاط المتشابه، أو
المتماثلة في وحدة إدارية واحدة، وتكون حسب الأعمال ودرجة تشعبها من خلال التنظيم
على أساس نوع النشاط الشائع، ومن مزاياها، التخصص في المعرفة والخبرة، والإشراف
على كل العمليات، إلا من عيوبها؛ صعوبة التنسيق في حالة التعدد وعدم قدرة تحديد
أنواع السلع.
ومن حيث أوجه النشاط
المختلفة المتصلة اتصالاً مباشراً بالسلعة الواحدة في مجموعة واحدة، فمن مزاياها،
الاستفادة من الخبرة المتخصصة في السلعة، وأيضاً التنسيق الكامل بين العمليات
المختلفة، فمنها يمكن تحديد المسؤولية وخصوصاً للنتائج، لكن من عيوبها. صعوبة
الحصول على رؤساء إداريين.
أما أوجه النشاط حسب الموقع،
فتكون العمليات موزعة ومتفرقة، وربما يجد الإداري من الأفضل تجميعها حسب الموقع،
ومن مزاياها، إلمام الإداريين القائمين بالعمليات بهذه المواقع، وهذا يساعد على
اتخاذ، قرارات دون تأخير، ومن السهولة تنسيق العمليات ضمن الموقع الواحد. لكن من
عيوبها الشائعة، إساءة الإداريين استخدام للسلطات الممنوحة، إلى احتمالية اتباع
سياسات تخالف السياسة العامة للمركز الرئيسي.
أما أوجه النشاط المختلفة
حسب المرحلة، فقد تكون هناك إدارة مستقلة لكل مرحلة من مراحل الإنتاج، فهناك إدارة
تختص بالتصنيع، وإدارة أخرى تختص بعمليات التجميع، وهكذا.
أما أوجه النشاط حسب الوقت،
فيمكن ملاحظتها في الشركات والخدمات العامة وفي الهيئات الحكومية.
أما بخصوص أوجه النشاط المختلفة حسب نوع
العملاء، فتظهر بشكل خاص في متاجر معينة، وفي الحكومات حيث تتعدد المصالح أو
الإدارات الخاصة للشباب وللمزارعين، وللمهاجرين إذ يكون في المتجر الأول الأرضي
منفصلاً إدارياً عن المتجر الأول، ويختلف تماماً عن النوع الثاني.
أما أوجه النشاط المختلفة بطريقة مركبة، فيجد
المدير من الضرورة اتباع طريقتين أو أكثر من الطرق السابقة، واختيار الطريقة
المثلى يتوقف على ظروف كل منظمة من حيث الأهمية، والوظيفة، والإدارية والقدرة على
اتخاذ القرارات الرشيدة.
خلاصة:
يعد بحث التنظيم من الأبحاث
الجديرة بالاهتمام في هذا الوقت الذي يفتقد جميع الأفراد والمؤسسات إليه، ويتعين
على الإنسانية السعي الحثيث لفهم معناه بالشكل الذي يمكّن من توظيف عملية التنظيم
لما يسهم في تحقيق أهداف المجتمع قاطبة، وإلا ستكون الحياة بدون تنظيم أشبه بفرد
يجلس على حافة الهاوية قد يسقط في أي وقت.
ليست هناك تعليقات